مستقبل الثقافة الإسلامية والعربية بغامبيا بعد جامي

من الإيجابيات القليلة التي تحسب لديكتاتور غامبيا المطاح به يحيى جامي تشجيعه ورعايته للتعليم والثقافة العربية والإسلامية بغامبيا، فقد احتلت الثقافة العربية والتعليم الإسلامي في عهده مكانة كبيرة أوصلت العربية أن تكون اللغة الثانية في البلاد بل إعلانها لغة رسمية أولى قبل التراجع عن هذا القرار، كما كان لحملة الثقافة العربية والإسلامية إسهامات كبيرة وتأثير ملحوظ في الحياة العامة.
وانعكس هذا الأمر في انتشار المئات من المدارس والمؤسسات الأهلية المهتمة بالتعليم العربي وفتح جامعات في ذات الخصوص بالإضافة لوجود العديد الروابط والأنشطة المهتمة بتعزيز دور الأئمة والدعاة ومثقفي اللغة العربية في الشأن العام وتوجيه الرأي العام.
مظاهر التأثير
رغم كون دستور البلاد ينص على أن غامبيا جمهورية علمانية فإن علمنة الدستور لا تعكس واقع الحياة العامة، فالقصر الرئاسي للبلاد يحتضن مسجدا تؤدى فيه جميع الصلوات بما فيها صلاة الجمعة، ويؤم الصلاة في هذا المسجد الشيخ عبد الله فاتي الذي يعتبر من أبرز رجالات الدين تأثيرا، وكان الرجل المعروف بمواقفه القوية في سبيل الحق من أهم الشخصيات التي كانت تؤثر وتوجه الرئيس المتغطرس يحيى جامي.
كما أن المجلس الإسلامي الأعلى الذي تأسس قبل حوالي عقد من الزمن، و المدعوم من طرف السلطة، كان بمثابة الحاضنة الرئيسية لكل ما من شأنه توجيه وإرشاد المسلمين لما يجمع كلمتهم ويحقق وحدتهم ويبين لهم جادة الطريق المستقيم.
و شكلت المدارس الإسلامية والعربية رافعات لتخريج آلاف الطلاب من ذوي الثقافة العربية والإسلامية دخل البعض منهم في العديد من الوظائف الحكومية الرسمية كأسلاك المعلمين والشرطة بالإضافة للمهن الأخرى كالإمامة و تعليم القرآن، و ازدهرت في هذه الفترة مسابقات تحفيظ القرآن التي يتبارى فيها الحفظة من مختلف أقاليم البلاد وكذا القوافل الدعوية والمسابقات بين المدارس العربية في المجال الإسلامي و العربي.
لقد كان جامي الثائر على الثقافة الغربية و الساعي لتقمص شخصية الرئيس المسلم حريصا على أن يغيظ الغرب بإظهار ميول قوية تجاه ترسيخ القيم الإسلامية والعربية في المجتمع الغامبي، و كان كلما توترت علاقاته مع الغرب بادر باتخاذ خطوة جديدة في هذا الاتجاه، ثم إن انفتاحه على العالم العربي والإسلامي عزز من حضور الجمعيات والمنظمات الإسلامية العاملة في المجال الخيري والدعوي والتعليمي والتي لعبت أدوارا مهمة في دعم جهود المجتمع الغامبي والمنظمات الأهلية النشطة في هذا المجال.
نظام جديد
من الأسئلة الجوهرية التي تطرح نفسها بخصوص مستقبل الثقافة العربية والإسلامية بغامبيا هو كيف ستتكيف حركة التعريب الرائدة مع المرحلة الجديدة بعد سقوط جامي، و مع أن النظام السياسي الحاكم حاليا لا ينزع لحد الساعة في اتجاه اتخاذ سياسيات وقرارات للتضييق على العمل الإسلامي بالبلاد، إلا أن مراقبين يعتبرون أن قوة الدفع التي كان يحظى بها العمل برعاية جامي ستتراجع في ظل النظام السياسي الحاكم حاليا. مع ذلك فإن هذا التراجع سيظل محدودا لأن الفريق الحاكم -و إن كان يتبنى ميولا علمانية صريحة- فهو يميل مع ذلك للتصالح مع تراث المجتمع الغامبي ومرجعيته الإسلامية الحاكمة كحال النخب الإفريقية العلمانية التي لا تجاهر في الغالب بمعاداة التدين و استهدافه.
ثم إن محاولات تقليم تأثير هذه الحركة في الحياة العامة قد تصطدم بمعارضة قوية من قبل الشعب الغامبي، و هو شيء يعتبر النظام الحالي في غنى عنه لحداثة عهده بالسلطة وافتقداه لوسائل التمكين.
و تبقى المخاوف الحقيقة على مستقبل العمل الإسلامي بغامبيا ماثلة في أن تسعى الأطراف الغربية لتحجيم مد العمل الإسلامي من خلال الضغط على نظام في أمس الحاجة لدعم الغرب في تعزيز مساره الديمقراطي وإصلاح وضعه الاقتصادي.
Comments
Post a Comment